مأساة نفسية- شفاء وهمي يقود لكوارث عائلية في الطائف

المؤلف: محمد أحمد الحساني08.10.2025
مأساة نفسية- شفاء وهمي يقود لكوارث عائلية في الطائف

في أحد المجالس منذ عقدين ونيف، لفت انتباهي شاب يكتنفه الصمت ويغمره الحزن، مهملاً التفاعل مع الآخرين. استفسرت عن حاله، فأخبرني أحد الحاضرين بقصته المؤلمة: كان له أخ أكبر، ابتلي باضطرابات نفسية حادة، توهمه بأن كل من حوله يسعون لإيذائه، فيبادر هو بالاعتداء عليهم. ضاقت الأسرة ذرعاً بمتابعته وتجنب أذاه، فأودعته مصحة نفسية في الطائف. بعد فترة، بدأت المصحة بالاتصال بالأهل، مدعية أن المريض قد تعافى تماماً، وطالبتهم باستلامه. غمرت الفرحة الأسرة، وذهبوا إلى المستشفى، لكنهم لاحظوا علامات وأفعالاً تدل على عدم شفائه، فرفضوا استلامه وعادوا أدراجهم. أصر المستشفى على موقفه، وطلب تدخل السلطات لإجبارهم على استلام مريضهم الذي يؤكد الأطباء تعافيه وزوال خطره. تم إبلاغ الشرطة والعمدة، وتم إحضار والد المريض أو أحد أفراد أسرته للتوقيع على تعهد بالاستلام، فاستسلمت الأسرة واستلمت المريض على مضض وخوف من تصرفاته الطائشة والمؤذية. بعد أيام قليلة، انتابته حالة هياج شديدة، فدخل المطبخ وحمل سكيناً، وكان والده أول من واجهه، فطعنه في قلبه. شاهد الأخ الأصغر الفاجعة، فأصيب بصدمة عصبية أفقدته صوابه، فأُدخل الأخ الأكبر إلى قسم القتلة في شهار، بينما أُدخل الأخ الأصغر، المتزوج حديثاً، إلى المستشفى لتلقي العلاج من الصدمة العصبية. وأصبح ذلك الشاب يتحمل مسؤولية ثلاث أسر، ويعاني من مآسٍ متراكمة بعضها فوق بعض! هذه القصة المأساوية أعادت إلى ذهني فاجعة الأبوين اللذين قتلهما ابنهما المريض النفسي بوحشية، ومزق جسديهما بعد إخراجه من المستشفى بحجة شفائه التام، على الرغم من أنه كان لا يزال مريضاً ويمثل خطراً داهماً على من حوله وعلى المجتمع بأكمله. شاء القدر أن يكون أول ضحاياه هما والداه، في جريمة بشعة هزت أركان المجتمع، وربما تكون هذه الهزة بمثابة صحوة للضمائر! لقد نشرت مجلة اليمامة قبل أربعة عقود تقريراً مفصلاً عن الأوضاع البائسة التي يعيشها مستشفى شهار في الطائف، وتناقلت الصحف في ذلك الوقت وعوداً بتطوير المستشفى، والارتقاء بمراكز العلاج النفسي لخدمة هذه الفئة المستضعفة من المجتمع. ولكن الواقع المرير يؤكد أن مستوى العلاج النفسي والعصبي لا يزال دون المستوى المطلوب، وأن الكفاءات الطبية في هذا المجال تعتمد على المسكنات والمهدئات، وربما الجلسات الكهربائية المؤلمة، وأنه قطاع يعاني من الإهمال والتهميش. والعديد ممن يتم تسليمهم إلى أسرهم لم يتجاوزوا بعد محنتهم المرضية، ولكن يتم التخلص منهم خلال فترة هدوئهم المؤقتة لاستقبال مرضى جدد، وكثير منهم يعودون بعد فترة وجيزة من خروجهم، وبعضهم قد يؤذي نفسه أو يلحق الأذى بمن حوله من أقرب الناس إليه، لتحدث الفاجعة التي يستبد فيها النواح والعويل، ولا شيء غير ذلك!!

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة